الرئيس أحمد الشرع في منتدى الدوحة.. حصيلة العام الأول من نجاح الثورة السورية

08:218/12/2025, Pazartesi
تحديث: 8/12/2025, Pazartesi
ياسين اكتاي

مضى عام كامل على الإطاحة بنظام الأسد المجرم السفاح في سوريا عبر ثورة حقيقية. إن الطريق إلى الثورة، التي استمرت 14 عاماً وكان اليأس منها قد بلغ مداه في أواخرها، فُتح واكتمل في غضون 11 يومًا فقط. ورغم وجود من يبحث عن دلالات بقولهم "ثورة الـ 11 يوماً"، إلا أنهم يتجاهلون أن الثورة كانت عملية مستمرة امتدت لـ 14 عامًا إضافة إلى11 يومًا. فقد كان أحمد الشرع وفريقه، االذين قادوا الثورة إلى نهايتها، يخضعون لما يشبه تدريبًا عمليًا على إدارة الدولة في إدلب منذ عدة سنوات، ووجدوا طرقاً للتخلص من ذلك الخلاف الحاد

مضى عام كامل على الإطاحة بنظام الأسد المجرم السفاح في سوريا عبر ثورة حقيقية. إن الطريق إلى الثورة، التي استمرت 14 عاماً وكان اليأس منها قد بلغ مداه في أواخرها، فُتح واكتمل في غضون 11 يومًا فقط. ورغم وجود من يبحث عن دلالات بقولهم "ثورة الـ 11 يوماً"، إلا أنهم يتجاهلون أن الثورة كانت عملية مستمرة امتدت لـ 14 عامًا إضافة إلى11 يومًا. فقد كان أحمد الشرع وفريقه، االذين قادوا الثورة إلى نهايتها، يخضعون لما يشبه تدريبًا عمليًا على إدارة الدولة في إدلب منذ عدة سنوات، ووجدوا طرقاً للتخلص من ذلك الخلاف الحاد الذي أنهك آمال الثوار فيهم بسبب صراعاتهم الداخلية الأولية.

إن الحوار القوي الذي تشكل في المراحل النهائية بين هيئة تحرير الشام والمجموعات الأخرى، وتوحيد القوى، والخبرة التي ظهرت في التركيز على الهدف المشروع، كان عاملًا حاسمًا سهّل كثيراً إنهاء الثورة بالسرعة التي بدأت بها خلال 11 يوماً.

وقبل عام من اليوم، تحوّل الأجندة في الدوحة، ـ التي تُعتبر إحدى أهم المنصات العالمية لمناقشة القضايا الكبرى التي تواجه المجتمع الدولي ـ فجأة إلى منبرٍ حيّ لمتابعة وتقييم ما يجري في سوريا وتحليله لحظة بلحظة. وتراجعت جميع الموضوعات المحددة مسبقاً إلى مرتبة ثانوية، بينما صارت التطورات الصادمة في سوريا محور الاهتمام الرئيسي بلا منازع. في الحقيقة، لم تكن هناك بيانات كافية لتقديم تنبؤات حاسمة حول ما سيحدث لاحقاً، لكن اليوم الأخير للمنتدى تزامن أيضاً مع يوم سقوط دمشق.

إنّ مشاركة أحمد الشرع في المنتدى التالي ـ الذي نُظِّم في نهاية الأسبوع الماضي، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للثورة تماماً ـ شكلت لفتة ذات مغزى للمنتدى. فقد كان بلا منازع أبرز ضيوف المنتدى وأكثرهم جذباً للاهتمام. وما إن أعلنت الصحفية الشهيرة في شبكة CNN كريستيان أمانبور اسمه لتدير الجلسة معه، حتى وقف الحضور بأسرهم لرؤيته، غير أنّ دخوله لم يكن من الممر المتوقع المؤدي مباشرة إلى المنصة، بل من بوابة دخول الجمهور، وهو ما جعل وصوله إلى المسرح يستغرق بعض الوقت، وبعد أن جلس بهدوئه المعتاد وبسلوكه المتواضع الرصين، بدأ الحوار، وكان أول ما تحدث عنه هو التزامن بين المنتدى والثورة في العام الماضي. وقد أُتيحت لنا بهذه المناسبة فرصة الاستماع من القائد نفسه إلى محصلة عام من الإرادة التي بُذلت لتغيير نظام دموي واستبدادي استمر ستين عامًا في سوريا، بل لتغيير مصير بدأ قبل أكثر من قرن.

وفي ردّه على السؤال: هل يشعر الشعب السوري بعد عام بالخوف منهم أو بالقلق؟ قدّم إجابة واضحة وحاسمة تعكس واقعاً ملموساً: في السابق، كان أي حراك داخل سوريايؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من منازلهم وأماكنهم. والآن تخيلوا، خلال عام واحد قامت ثورة مسلّحة، لكن الشعب كان ينتظرها بحماس شديد إلى درجة أنه لم يضطر ولا مواطن سوري واحد لترك منزله. بل على العكس عاد حتى الآن ما يقارب مليون شخص من دول عديدة، وخاصة تركيا، إلى ديارهم".

في الجزء المكمل لسؤال أمانبور، طُرحت مسألة التحوّل الذي شهده الشرع خلال عام واحد فقط؛ فالرجل الذي كان يُصنَّف قبل عام إرهابياً، إلى أي حد بات اليوم بعيداً عن تلك الصفة؟ أجاب الشرع، محافظاً على هدوئه المعتاد ومن دون أن يرفع صوته، بأن تهمة الإرهاب في عالم اليوم تُطلَق بحسب كل المعايير، من قِبَل القوى التي تمارس الإرهاب الحقيقي. فإذا كان التعريف الأكثر موضوعية للإرهاب هو قتل المدنيين، فكيف لا يُوصَف بالإرهاب من قتل في غزة ستين (أو سبعين) ألف مدني بوحشية؟ هؤلاء لا يُطلِق عليهم أحد صفة الإرهابي، بينما هم يطلقونها على غيرهم. وكذلك في سوريا فقد قُتل خلال 14 عاماً، أكثر من مليون إنسان، وقُتل المدنيون أطفالاً ونساءً، وغُيِّب 250 ألف شخص في المعتقلات، وهُجِّر 15 مليوناً من ديارهم، ورغم ذلك لم يصف أحد الأسد بالإرهابي حتى اللحظة الأخيرة. وفي معرض حديثه، تخللت كلماته تصفيقات حارة من الحضور حين قال: "لكنني خضتُ نضالًا شريفًا. قاتلتُ على جبهاتٍ عديدة لأكثر من عشرين عامًا، ولم أؤذِ مدنيًا قط، بل عرّضت نفسي ومن معي للخطر كي لا يُصاب المدنيون بأذى".

ومن بين الأسئلة التي وجّهتها أمانبور للشرع سؤالٌ كلاسيكي ذو طابعٍ شرقيٍّ بعض الشي، وفيه أيضًا تلميحٌ إلى "إسلاميّته". فقد سألته عمّا إذا كانت هناك "مخاوف" من تدخّلات أو قيود على حقوق النساء وحرياتهنّ، مما يُخشى عادة من الإسلاميين. فرد الشرع مجدداً بأقصى درجات الهدوء، مستشهداً بتجربة الحكم التي استمرت 5 سنوات في إدلب، وهي نقطة محورية، لأن إدلب هي المكان الذي صُنِّف فيه من قبل النظام الدولي على أنه "إرهابي إسلامي". ثم أوضح أنّ الجامعة التي أسّسوها هناك تضم 26 ألف طالب، وأنّ ثلثي هؤلاء الطلاب من النساء، وأنّهنّ يعملن اليوم في الدولة وفي القطاع الخاص، وأنّ هذا الوضع لن يتغير. ثم اختتم حديثه في هذا الموضوع بدعابة أضحكت الجميع قائلًا: "لا داعي للقلق على النساء في سوريا، نحن في الحقيقة قلقون على الرجال السوريين."

منذ اليوم الأول لانتصار الثورة، اتّخذت إسرائيل سلوكاً عدوانياً غير مسبوق تجاه سوريا، وهو أمر بات معروفاً للجميع. فرغم أنّ الأسد كان يُقدَّم بوصفه ألد أعداء إسرائيل ضمن ما كان يُسمّى بـ"محور المقاومة"، فإنّه كان نادراً ما يتعرض لهجمات إسرائيلية. ورغم ذلك، لا يزال كثيرون يصرّون على إلصاق الثورة السورية بخطط إسرائيلية أميركية، مسوّقين روايات مؤامراتية لا تقوم على أي أساس. والحقيقة أن الأسد كان أمينًا على إسرائيل، فقد كانت الأراضي السورية تحت حكمه في "أيدٍ أمينة"، وما جرى فيها من مذابح وقمع في سجن صيدنايا وغيره لم يكن يقلق إسرائيل، بل يرضيهال. فالأساليب ذاتها التي مارسها في سوريا لا تختلف من حيث الطبيعة أو الوظيفة عمّا تمارسه إسرائيل في غزّة وفلسطين. ولذلك فإن الشعب السوري إلى سدة الحكم كان كفيلاً بتغيير جميع مفاهيم التهديد لإسرائيل ونسف معادلات أمنها بالكامل.

ورداً على سؤال حول هذا الموضوع، قال الشرع إن سوريا تتقدم في الاتجاه الصحيح، وتحولت من منطقة تُصدِّر الأزمات إلى نموذج للاستقرار، واتهم إسرائيل في المقابل بـ تصدير الأزمات. وأوضح أنه خلال العام الماضي شنّت إسرائيل على سوريا ألف غارة جوية، وارتكبت 400 انتهاك للحدود، مشددًا في المقابل على أنهم يحترمون اتفاق عام 1974.

وفي غضون ذلك شارك وزير الخارجية هاكان فيدان في الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة، المنعقد على مدار يومين في فندق شيراتون الدوحة تحت شعار: " ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس". وقد شارك فيدان كمتحدث في الجلسة الافتتاحية التي أدارتها كريستيان أمانبور، ثم قدّم لاحقًا مداخلة منفردة أجاب فيها على الأسئلة. وفي كلمته التي حظيت باهتمام كبير، أجاب على أسئلة تتعلق بدور تركيا في الوساطة في قضايا غزة وسوريا وأوكرانيا.

وفي قاعة أخرى، تحدث وزير المالية محمد شيمشك عن الاقتصاد التركي في جلسة مخصصة للاقتصاد.

وقد حضر في المنتدى أكثر من 6000 شخص و 471 متحدثاً من 160 دولة. وتناول المنتدى قضايا حاسمة مثل الأمن الغذائي، والطاقة، وتغير المناخ، والذكاء الاصطناعي، ووفيات الأطفال، وحقوق المرأة، إلى جانب تقييمات الأوضاع الرهانة، وإيجاد حلول للأزمات ومناطق النزاع في العالم.

ويُعد منتدى الدوحة أحد أهم المنصات العالمية لمناقشة القضايا الأساسية التي يواجهها المجتمع الدولي. فإلى جانب تطويرها أحد أهم القطاعات الإعلامية في العالم الإسلامي عبر شبكة الجزيرة، واستضافتها بطولة كأس العالم، وإنشائها مراكز بحثية ومتاحف رائدة، استطاعت قطر أن تجعل من المنتدى – الذي تنظمه بلا انقطاع منذ 23 عاماً – علامة فارقة تسهم من خلالها، بطريقتها الخاصة، في صياغة الأجندة السياسية الدولية.


#أحمد الشرع
#منتدى الدوحة
#الثورة السورية
#نظام الأسد المخلوع
#الإرهاب