القطب الجنوبي.. كيف يهدد ذوبان الأنهار الجليدية مناخ العالم؟

10:2025/03/2025, الثلاثاء
الأناضول
القطب الجنوبي.. كيف يهدد ذوبان الأنهار الجليدية مناخ العالم؟
القطب الجنوبي.. كيف يهدد ذوبان الأنهار الجليدية مناخ العالم؟

منسقة البعثة العلمية التركية التاسعة إلى القارة القطبية الجنوبية بورجو أوزصوي: - ذوبان الجليد الموجود في القارة القطبية الجنوبية، قد يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار عالميًا بمقدار 70 مترًا - فقدان هذا الجليد، يؤثر على النظام البيئي والمناخي بشكل مباشر - إعلان يوم عالمي للأنهار الجليدية يحمل دلالة بالغة الأهمية - الإعلان له من دور في تعزيز الوعي، والحفاظ على الجليد، والحد من البصمة الكربونية

في ظل الاحتباس الحراري، يدق علماء ناقوس الخطر جراء ذوبان الأنهار الجليدية بالقطب الجنوبي، ويحذرون من تداعيات ذلك على النظام المناخي لكوكب الأرض.

وسلّط مستوى الذوبان الذي تم توثيقه خلال العامين الماضيين في الجليد الموجود بجزيرة "هورس شو"، حيث يقع المخيم التركي للأبحاث العلمية، الضوء مجددًا على الأهمية البالغة للأنهار الجليدية.

وفي قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2022، تم إعلان يوم 21 آذار/ مارس من كل عام، يومًا عالميًا للأنهار الجليدية.

بينما خُصص 2025 ليكون "العام الدولي لحماية الأنهار الجليدية"، بغرض التأكيد على الدور الحيوي الذي تؤديه الأنهار الجليدية في النظام المناخي والدورة المائية، فضلًا عن أهميتها الاقتصادية على المستويات المحلية والوطنية والعالمية.

وتسعى المبادرة المشتركة بين المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لحماية موارد المياه العذبة وتعزيزها وضمان مستقبل أمن المياه وبالتالي ملايين البشر حول العالم.

وبحسب المعلومات التي جمعتها الأناضول، فإن الأنهار الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، والتي تلعب دورًا لا غنى عنه في المناخ العالمي والنظم البيئية للأرض، تُشكّل نحو 70 بالمئة من موارد المياه العذبة في العالم.

ومن خلال "اليوم العالمي للأنهار الجليدية"، يُراد تسليط الضوء على ذوبان الأنهار الجليدية الناتج عن الاحتباس الحراري، وما يرافقه من تغيرات في توازن المناخ العالمي.

وفي شباط/فبراير الماضي، انطلقت البعثة الوطنية التركية التاسعة إلى القارة القطبية الجنوبية من أجل إجراء المزيد من الأبحاث العلمية التي تساهم في إيجاد الحلول لضمانة سلامة الكوكب.

وجرى تنظيم البعثة التي برعاية رئاسة الجمهورية التركية، وإشراف وزارة الصناعة والتكنولوجيا، وبالتنسيق من معهد أبحاث القطب التابع لمركز بحوث مرمرة.

- ذوبان جليد القارة القطبية وحده قد يرفع مياه البحار 70 مترًا

منسقة البعثة الوطنية التركية التاسعة إلى القارة القطبية الجنوبية، البروفيسورة التركية بورجو أوزصوي تحدثت للأناضول ولفتت إلى أهمية إعلان يوم 21 مارس يومًا عالميًا للأنهار الجليدية.

وقالت أوزصوي إنه خلال فترة وجودهم في القطب الجنوبي، كانوا يرون الجبال الجليدية تتناثر حولهم وهم يحاولون التقدّم على متن سفينة تتمايل بين الأمواج. تلك الجبال الجليدية، في الأصل، كانت أجزاء انفصلت عن الكتل الجليدية القارية.

ونبّهت أوزصوي إلى أن ذوبان الجبال الجليدية يشكل خطرًا بالغًا على البيئة العالمية.

وأوضحت أنه "حين يتم وضع مكعب ثلج في كوب ماء ممتلئ، يُلاحظ أن الماء يفيض. بالمثل، عندما تنفصل الكتل الجليدية القارية وتنتقل إلى المحيطات، فهي تؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات".

وشددت أوزصوي على أن ذوبان كل الجليد الموجود في القارة القطبية الجنوبية، قد يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار عالميًا بمقدار 70 مترًا.

وتابعت: "في الفترة الأخيرة، أصبحنا نسمع بشكل متكرر عن كتل جليدية انفصلت أو اختفت تمامًا. هذه الكتل لا تسهم فقط في رفع منسوب المياه، بل تمثّل أيضًا العمود الفقري للنظام المناخي".

إن فقدان هذا الجليد، يؤثر على النظام البيئي والمناخي بشكل مباشر، وفق الباحثة التركية.

وأضافت أوزصوي أن أي تغيير بيئي في القارة القطبية الجنوبية سرعان ما ينعكس على القارات الأخرى ويؤدي إلى ظهور ظواهر مناخية متطرفة.

واستطردت: "نشهد آثارًا كبيرة للفروقات الحرارية وفقدان الجليد في المناطق القطبية. ومع استمرار انبعاثات الكربون، تتزايد درجات الحرارة وتزداد سرعة الذوبان في المناطق القطبية".

وزادت: "نحن عالقون في حلقة مفرغة لا نستطيع الخروج منها، إنها منظومة تتفاعل عناصرها بشكل متسلسل وتفاقم بعضها بعضًا. نحن بحاجة ماسة إلى هذه الأنهار الجليدية.

وخلال حديثها أكدت أوزصوي على أن إعلان يوم عالمي للأنهار الجليدية يحمل دلالة بالغة الأهمية، لما له من دور في تعزيز الوعي، والحفاظ على الجليد، والحد من البصمة الكربونية.

- تتبّع الذوبان عبر الأقمار الصناعية

وبغرض تتبّع الأنهار الجليدية، يستخدم العلماء الطائرات المُسيّرة وطرق القياس المعتمدة على الأقمار الصناعية، للكشف عن ذوبان الجليد والثلوج في مختلف المناطق، مما يتيح لهم مراقبة تطورات هذه الظاهرة بدقة.

وتقوم تركيا، من خلال بعثاتها الوطنية إلى القارة القطبية الجنوبية، برصد ذوبان الجليد والثلوج باستخدام طائرات بدون طيار وتقنيات القياس الفضائية.

إلى جانب متابعة معطيات أخرى مهمة مثل نظام تحديد المواقع العالمي وبخار الماء في الغلاف الجوي، ومستويات البحر، والجليد، والثلج.

وفي إطار "الاستراتيجية الوطنية للعلوم القطبية"، يعمل العلماء الأتراك على موضوع "تغير المناخ العالمي"، الذي يُعد من الموضوعات العلمية ذات الأولوية على المستويين الوطني والدولي.

وقد أظهرت الدراسات أنه بين 2022 و2023 أنه تم تسجيل انخفاض قدره 7 أمتار مكعبة في المتوسط في مساحة جليدية تبلغ نحو 100 متر مربع.

وإذا ما نُسب هذا الرقم إلى كامل مساحة القارة القطبية الجنوبية، فإن حجم الجليد المفقود خلال السنوات الثلاث الأخيرة يعادل مساحة الجمهورية التركية.

وأشارت الدراسات التي أجراها علماء أتراك أن التغيرات الحاصلة في مناطق الجليد خلال عام واحد فقط، أدت إلى خسائر كبيرة في المساحة الجليدية والثلجية في القطب الجنوبي.

ففي الفترة ما بين 2023 و2024، شهد نهر "شوسميث" الجليدي في جزيرة "هورس شو"، حيث يقع المخيم العلمي التركي، انهيار كتل جليدية بارتفاع يصل إلى 30 مترًا في البحر. ويعادل هذا الارتفاع مبنى مكوّنًا من عشرة طوابق.

ويحذر العلماء من أن استمرار ذوبان الجليد بهذه الوتيرة سيؤدي إلى إطلاق كميات متزايدة من بخار الماء في الغلاف الجوي، ما يُسهم في ارتفاع تركيز الغازات الدفيئة وتسريع وتيرة تغيّر المناخ العالمي.


إضافة إلى ما سبق، أشارت الأبحاث التي أجراها العلماء الأتراك، إلى أن الكتل الجليدية التي تنفصل عن الأنهار الجليدية وتنزلق نحو المحيط، تظهر لاحقًا على شكل أنواع مختلفة من الجبال الجليدية المنتشرة في البحار والمحيطات.

وتُعدّ الأنهار الجليدية تراكيب متحركة تتكوّن من كتل جليدية هشة وديناميكية، ويمكن أن تتشقق وتتفكك لأسباب متعددة.

وفي السنوات الأخيرة، زادت رؤية الجبال الجليدية العائمة في المحيطات، نتيجة التأثيرات المتسارعة لتغير المناخ العالمي.

ويمكن تصنيف هذه الجبال الجليدية، التي تنفصل عن الأنهار الجليدية وتطفو أو تستقر في قاع البحر، إلى سبعة أنواع مختلفة وفقًا لأشكالها، وهي القمم الحادة، والقباب، والمتآكلة، وذات الحفر، والمائلة، والمسطّحة (الطاولة)، والكتلية.

وتُظهر الاختلافات في اتجاهات التيارات البحرية والرياح ودرجات الحرارة أن هذه الجبال الجليدية يمكن أن تنتشر في مناطق متعددة من سطح المحيط بأشكال متنوعة أثناء رحلة ذوبانها.

وتقوم وكالات مثل وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية (إيسا)، بتتبع هذه الجبال الجليدية أيضًا، ضمن برامج الرصد العلمية التي يستخدمها العديد من الباحثين.

من جهة أخرى، قامت مراسلة الأناضول، شبنم جوشقن، بتوثيق مستوى الذوبان في المناطق الجليدية بجزيرة "هورس شو" (القطب الجنوبي) من خلال صور التقطتها بفاصل زمني بلغ عامًا كاملًا، ما أتاح تسجيل التغيرات البيئية الحاصلة بدقة.

ويقع معسكر الأبحاث العلمية التركي، عند خط عرض 68 درجة جنوباً في جزيرة هورس شو، حيث يجري العلماء الأتراك أبحاثهم في القارة القطبية الجنوبية عندما يكون موسم الصيف في أنتاركتيكا أكثر ملاءمة، عادة في شهري فبراير/ شباط ومارس.

#البحار
#القارة القطبية الجنوبية
#بورجو أوزصوي
#ذوبان الأنهار الجليدية