|

سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.. بين دعم الإرهاب وخلق فوضى منتظمة

واشنطن تسعى لحمل دول المنطقة على تقبل حزب "ب ي د" على أنه تنظيم مختلف عن "بي كا كا" الإرهابي

Ersin Çelik
11:15 - 17/11/2018 Cumartesi
تحديث: 11:18 - 17/11/2018 Cumartesi
الأناضول
الولايات المتحدة مُستمرة في دعم "ب ي د" الإرهابي بالسلاح بحجة محاربة داعش
الولايات المتحدة مُستمرة في دعم "ب ي د" الإرهابي بالسلاح بحجة محاربة داعش

في الوقت الذي أعادت فيه الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران، إلّا أنها تسعى من جهة أخرى لتسيير علاقاتها المتأزمة مع تركيا من خلال أسلوب "الفوضى المنتظمة".

ففي البداية أعطت واشنطن الضوء الأخضر لتسيير دوريات عسكرية مشتركة لجنودها مع نظرائهم الأتراك في ريف منبج، بهدف تحديد موقفها العالق بين تركيا وتنظيم "ب ي د" الإرهابي على الساحة السورية، ومن جهة أخرى أدرجت مؤخرًا 3 إرهابيين من تنظيم "بي كا كا" ضمن لائحة المطلوبين في محاولة منها لإظهار حسن نواياها تجاه أنقرة.

لكن يمكن القول بأن نية الولايات المتحدة الحقيقية تكمن في السعي لقطع الطريق أمام تركيا، بهدف التخفيف من حدة أزمة "بي كا كا/ ب ي د" في منطقة شرقي الفرات.

ففي الوقت الذي عملت فيه الولايات المتحدة على إثبات وجودها في سوريا عبر التركيز على محاربة تنظيم "داعش" من خلال التعاون مع منظمة "بي كا كا/ ب ي د"، أدّى الأمر إلى ظهور جملة من الممارسات غير المعتادة بالمنطقة، جعلت من تركيا المتضرر الأول من تلك الأزمة الأمنية.

ومن ذلك، أن بدأت تهديدات "بي كا كا" ضد تركيا تأخذ منحى مختلفاً منذ عام 2014، إذ أخذ التنظيم يستهدف أمن البلاد بشكل أكبر وفي جبهات مختلفة، وفضلًا عن هجماته الإرهابية التي شنها على المناطق الريفية، فقد امتدت عملياته التخريبية لتطال المدن جنوب شرقي البلاد، كما شن هجمات جديدة ضد الأراضي التركية انطلاقًا من شمالي سوريا، إلى جانب هجماته التي كان يشنها انطلاقاً من شمالي العراق.

** لماذا رصدت واشنطن مكافأة مالية حول 3 قياديين من "بي كا كا"؟

بدون شك تسعى واشنطن إلى جعل دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا، تقبل حزب "ب ي د" على أنه تنظيم مختلف الهوية عن منظمة "بي كا كا" المصنّفة حسب واشنطن ضمن اللائحة الإرهابية، متغاضيةً بذلك عن مدى قوة الارتباط الأيديولوجي الذي يجمع كلا التنظيمين والذي يتجلى في النظام الداخلي لـ "ب ي د"، وارتباط عناصر "ي ب ك" بزعيم منظمة "بي كا كا" المسجون.

إن وصف الولايات المتحدة لـ "ب ي د" بأنه حزب غير إرهابي، بالرغم من تصنيفها لمنظمة "بي كا كا" ضمن لائحة الإرهاب، يعد الخطاب المشترك لكل من الرئيسين الأمريكيين، الحالي دونالد ترامب، والسابق باراك أوباما، وذلك رغم كون الرابطة بين المنظمتين أقوى من الرابطة التي تجمع بين تنظيمي القاعدة، وجبهة النصرة.

فعلى خلاف عناصر "ب ي د"، و"بي كا كا" أنفسهم، يعد المسؤولون الأمريكيون هم الوحيدون الذين أعلنوا بأن التنظيمين مستقلين عن بعضهما البعض، وعلاوةً عن ذلك، فإن تصريحاتهم بهذا الخصوص شهدت الكثير من التناقضات مع أنفسهم.

ومثالًا على ذلك، أعلن جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، خلال مقابلة مع موقع "تي آر تي خبر" بتاريخ 16 فبراير/ شباط الماضي، بخصوص الصلة بين "بي كا كا"، و"ب ي د"، أن "هناك 3 تهديدات جنوبي تركيا، تتمثل في كل من بي كا كا، وداعش، وروسيا وإيران"، مؤكدا أنه "لا شك أن ب ي د يعد ذراع بي كا كا في سوريا".

وفيما يخص حاجة واشنطن لـ "ب ي د"، قال جيفري "نريد من تركيا أن تفهم هذا الأمر، إن الولايات المتحدة وتركيا كانت في حرب ضد تنظيم داعش، وهذه الحرب انتهت تقريبا، وإن الخلاف يظهر في هذه النقطة، فالولايات المتحدة ترغب في استمرار تواجدها في سوريا، بهدف إعاقة ظهور تنظيم داعش مجددا، كما حصل في العراق سابقا".

وأضاف: "والسبب الآخر الأكثر أهمية، رغبتها (واشنطن) في استخدام مفاوضات جنيف كورقة ضغط على مستقبل سوريا، وفي الوقت ذاته تهدف إلى وقف توسع إيران في سوريا، ولذلك فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تنظيم تستمر من خلاله في الوجود على الأراضي السورية، و(ب ي د) أحد هذه التنظيمات شمالي سوريا".

واستطرد المبعوث الأمريكي: "إننا نفهم قلق تركيا في هذا الشأن جيدًا، لكن الولايات المتحدة غير مستعدة لمغادرة الأراضي السورية، وتركيا غاضبة لهذا السبب".

إلا أن تصريحات لاحقة لجيفري بتاريخ 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أظهرت مدى تناقضه مع مواقفه السابقة، حيث أعلن أن بلاده لن تتخلى عن مشروعها بخصوص منظمة "ب ي د" وأن موقف بلاده من "بي كا كا" واضح، وأنها لا تعتبر "ي ب ك" (الجناح العسكري لـ "ي ب د") منظمة إرهابية على عكس "بي كا كا".

وأردف: "ندرك مخاوف تركيا الأمنية، ونتفهم قلقها بشأن العلاقات بين وحدات ي ب ك وبي كا كا، ولهذا نتصرف بحذر بالغ، ونُعلم تركيا أولًا بأول بما نفعله ولماذا نفعله".

وأضاف أن "تركيا تعرب عن قلقها إزاء منبج، وتواجد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وب ي د غربي نهر الفرات، وفي هذا الإطار نقوم بتسيير دوريات مراقبة مشتركة مع الأتراك، كما أننا نستمر في التشاور بخصوص انسحاب قوات ب ي د إلى شرقي الفرات، ونجري كل هذه الأمور تحت مسمى تطهير المنطقة من تنظيم داعش، هذا الأمر هو هدفنا الرئيسي في المنطقة، وتركيا تعتبر جزءا من التحالف الدولي ضد داعش".

ولعل أهم أسباب زيادة الولايات المتحدة لقيمة "ب ي د"، رغم اعتبارها منظمة "بي كا كا" إرهابية، ووضعها مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن مكان 3 من قيادييها، هو حشد تحريك حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK) ضد إيران، حيث ستضطر "بي كا كا" في هذه الحالة لمواجهة أزمة البقاء على قيد الحياة.

إن تسيير منظمة "بي كا كا" أنشطة مسلحة تحت مسميات مختلفة في كل من تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران، يجعلها تهديدا مشتركا للدول الأربعة، كما يجعلها تستنفذ طاقتها في هذه الدول بسرعة.

** نموذج جديد في الشرق الأوسط

هناك سببان رئيسيان وراء تواجد الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، هما الطاقة والصراع، فقيامها بتوحيد مصادر الطاقة في الخليج وشرقي المتوسط مع الممرات الجيوسياسية، سيجعل من السيطرة على أسعار الطاقة في العالم ممكناً بشكل أكبر، وهذا الأمر يعني زيادة واستمرار الهيمنة الأمريكية من الناحية الاقتصادية.

وفضلا عن ذلك، من الممكن رؤية الولايات المتحدة في عدة مواضع، مثل مثير للصراعات، ومُذكي لها، ومتدخل فيها، ووسيط لحلها، كما هو الحال في صراع العرب وإسرائيل (الإسلام واليهود)، وصراعات المسلمين فيما بينهم (الشيعة والسنة)، والسنة ضد السنة (المعتدلين والمتطرفين).

بعد زوال الإمبراطوريات إثر الحرب العالمية الأولى، وقيام الدول القومية على أنقاض المستعمرات بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت عدد من الدول القومية في منطقة الشرق الأوسط، وأقامت الولايات المتحدة مع أنظمة الحكم فيها علاقات تحالف قوية مع بعضها، فيما استعَدْت بعضها الآخر، لكن التحولات الاجتماعية التي شهدتها هذه الدول، أجبرت الأنظمة الحاكمة فيها على التغير، وفي الوقت ذاته أجبرت الولايات المتحدة على تشكيل مساحات تَّدَخُّل وفق نماذج جديدة.

وفي هذا الإطار، تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى كيان فيدرالي شمالي سوريا، شبيه بالنظام الفيدرالي الذي أنشاته في العراق عام 2005، عندما تم تشكيل حكومتين بالبلاد، بهدف فتح الطريق أمامها، كما هو الحال بالنسبة لمشروع فتح الطريق أمام إسرائيل.

**المثلثات الجيوسياسية في سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط

يمكن تصنيف الدول في منطقة الشرق الأوسط على شكل مثلثين، الأول كبير يضم تركيا وإيران ومصر، والثاني صغير يضم إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات.

وتمتد دول المثلث الأول على مساحة جغرافية واسعة، تحتوي على مكونات عرقية مختلفة، لكنها تدين جميعها بالإسلام، ولم نلحظ حتى اليوم اتباع دول هذا المثلث أو دولتين منه على الأقل سياسة مشتركة في المواضيع الإقليمية، حتى في أوقات التقاربات فيما بينها، تم توجيه ضربات لحكومات الدول، مثل الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، ومحاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، أو واجهت التهديد بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية كما هو الحال لدى إيران.

إن تطبيق الولايات المتحدة لهذه الاستراتيجية أدى في السابق إلى تغيير إدارات الدول في مصر وتركيا، في حين يبدي النظام الإيراني مقاومة كبرى لمساعي التغيير منذ عام 1979.

أما في المثلث الصغير، نرى أن التحالف القائم بين الأنظمة الثلاث الحاكمة وغير المتشابهة في كل من السعودية والإمارات وإسرائيل، شهد بعض الصعوبات في السنوات الأخيرة، حيث نرى أن هذا التحالف قام لخدمة إسرائيل، من خلال سعيه إلى جعل العالم العربي والإسلامي أكثر عرضة للانكسار.

إن سياسة الإدارات الأمريكية غير المفهومة في سوريا، أدّت إلى أزمات غير ممكنة الحل، مثل الوقوف في وجه اكتمال الثورة، وفتح المجال أمام إيران وروسيا للتوسع في المنطقة، ومن جانب آخر أدت إلى ازدياد عدد الأطراف المسلحة غير الحكومية، لتصبح بذلك مصدرا للفوضى الإقليمية وعدم الاستقرار بالمنطقة.

وبعد ذلك طوّرت الولايات المتحدة أسلوبا جديدا، يتمثل في التعاون مع منظمة مثل "ب ي د/ بي كا كا"، لتستخدمه كتهديد ضد 4 دول هي تركيا، وسوريا، وإيران، والعراق.

إن رصد الولايات المتحدة مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات حول 3 قياديين في منظمة "بي كا كا"، لن يسفر عن إنهاء التحالف بينها وبين "ب ي د/ بي كا كا"، إنما سيؤدي إلى هز ديناميكيات التحالف وسيجبر "بي كا كا" على التحول إلى لاعب أكثر استخداما من قِبل الولايات المتحدة، إذ تسعى واشنطن لإعادة تهيئة "بي كا كا" من خلال "ب ي د"، والترويج له في المجتمع الدولي.

#"ب ي د" و"بي كا كا" الإرهابيتين
#إسطنبول
#السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط
5 yıl önce