اختبار الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا في أوكرانيا

09:0824/12/2025, Çarşamba
تحديث: 31/12/2025, Çarşamba
قدير أوستون

تَحَدِّدُ الصراعاتُ الداخلية المتشكّلة حول تقاسم الأعباء والأدوار داخل التحالف الغربي، منذ فترة، ليس فقط خطوطَ المواجهة في الجبهة، بل أيضًا مصيرَ الحرب في أوكرانيا. ومع إدارة ترامب، أخرجت واشنطن قضية أوكرانيا من كونها موضوعًا للتضامن داخل الغرب، وحوّلتها أكثر فأكثر إلى أداة لـ«الصفقة الكبرى» بين الولايات المتحدة وروسيا. وفي موضوع الدعم المقدّم لأوكرانيا، قالت إدارة ترامب بشكلٍ واضح «هذا أقصى ما أقدّمه»، وطالبت أوروبا بتحمّل العبء المالي، بل وأوقفت المساعدات العسكرية المباشرة. كما وضعت الإدارةُ نفسَها

تَحَدِّدُ الصراعاتُ الداخلية المتشكّلة حول تقاسم الأعباء والأدوار داخل التحالف الغربي، منذ فترة، ليس فقط خطوطَ المواجهة في الجبهة، بل أيضًا مصيرَ الحرب في أوكرانيا. ومع إدارة ترامب، أخرجت واشنطن قضية أوكرانيا من كونها موضوعًا للتضامن داخل الغرب، وحوّلتها أكثر فأكثر إلى أداة لـ«الصفقة الكبرى» بين الولايات المتحدة وروسيا.

وفي موضوع الدعم المقدّم لأوكرانيا، قالت إدارة ترامب بشكلٍ واضح «هذا أقصى ما أقدّمه»، وطالبت أوروبا بتحمّل العبء المالي، بل وأوقفت المساعدات العسكرية المباشرة. كما وضعت الإدارةُ نفسَها في موقع المزوّد الذي يبيع السلاح، ولم ترَ ضرورة لبناء استراتيجية مشتركة مع أوروبا أو أوكرانيا بشأن تحديد شروط السلام مع روسيا. أما نموذج الاقتراض الذي أقرّته أوروبا مؤخرًا لمساعدة أوكرانيا — مع استبعاد الأصول الروسية المجمّدة — فقد أظهر مجددًا عجز بروكسل عن صياغة سياسة مستقلة عن واشنطن.


محاولاتُ الاتحاد الأوروبي تحمّل عبء دعم أوكرانيا


كان ردُّ أوروبا على إنهاء الولايات المتحدة دعمها لأوكرانيا، نسبيًا، أكثر استعدادًا. فالاتحاد الأوروبي، الذي كان يدرس منذ مدة استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتجنّب انهيار مالي في كييف، اختار في النهاية نموذج الاقتراض من الأسواق بما يصل إلى 90 مليار يورو خلال الفترة 2026–2027.


ويُعدّ هذا القرار — الذي يمكن اعتباره تراجعًا أمام التهديدات الروسية — نتيجةً أيضًا لمحاولة بلجيكا تأمين نفسها. ومن الواضح أن العامل الأساسي هو رغبة واشنطن في الاحتفاظ بهذه الصناديق كورقة تفاوضية في حال التوصل إلى اتفاق مع موسكو. ومع تراجع الدعم الأمريكي لكييف، تفتح أوروبا خزائنها، لكنها تُظهر — عبر تجنّب اتخاذ موقف عقابي صارم تجاه روسيا — أنها لا تزال غير قادرة على رسم سياسة مستقلة عن واشنطن.


تُحتفَظُ الحصة الأكبر من الأصول الروسية المجمّدة — والبالغة نحو 185 مليار يورو — في مركز المقاصة المالي «يوروكلير» في بلجيكا. وكان الاتحاد الأوروبي يدرس استخدام هذه الأموال لمساعدة أوكرانيا، غير أن تهديدات موسكو ومساعيها للضغط على المسؤولين البلجيكيين دفعت بلجيكا إلى كبح الخطوة، متذرّعةً بالمخاطر القانونية وإمكانية الانتقام الروسي. وفي ظل مطالبة بروكسل بضمانات قوية أمام تلك المخاطر، فضّل الاتحاد الأوروبي اعتماد نموذج اقتراض مختلف بدل اتخاذ خطوة تحمل رسالة قوية لروسيا. ولو استُخدمت هذه الأصول، لكانت رسالة حازمة إلى موسكو، ولَأظهرت مدى جدّية الغرب في دعم أوكرانيا.


هل أوروبا مستعدة للاستقلالية الاستراتيجية؟


وإنْ كان الاتحاد الأوروبي يصرّ على أنه ما زال يحتفظ بحق استخدام الأصول الروسية، فإن قراره الاكتفاء باستخدام فوائدها فقط يبيّن أنه اتجه إلى سياسة «تقليل الخسائر» بدل تحميل موسكو الكلفة. وبينما يحاول الاتحاد مواصلة دعمه لأوكرانيا عبر توسيع ميزانيته الخاصة، يتّضح أنه لم ينجح في إقناع الولايات المتحدة بزيادة الكلفة على روسيا.


وعلى العكس من ذلك، تريد إدارة ترامب استخدام إعادة الأصول الروسية — بالتوازي مع رفع العقوبات — كحافز مهم في مسار جهود السلام. ورغم محاولة أوروبا المشاركة في صياغة شروط السلام من خلال الانضمام إلى مفاوضات واشنطن، فإن تردّدها في اتخاذ خطوات صارمة ضد موسكو يشير إلى قبولها بالجلوس في «المقعد الخلفي» ضمن جهود ترامب لإحلال السلام. وهذا يُظهر أن الولايات المتحدة ما تزال اللاعب الأول في سياسات أمن الغرب، وأن نقاش «الاستقلالية الاستراتيجية» الأوروبية ما يزال — في الوقت الراهن — أقرب إلى التمرين النظري منه إلى سياسة عملية.


يمكن القول إن ضمان الاتحاد الأوروبي الميزانية العسكرية لأوكرانيا لعامين مقبلين سيمنعه من الجلوس ضعيفًا على طاولة المفاوضات، غير أن الحقيقة هي أن أوروبا — رغم إنقاذها هذين العامين — لا تعترض على بقاء الاستراتيجية الأساسية بيد واشنطن. وبحملها مشكلة التمويل التي لا تريدها الولايات المتحدة، تكون أوروبا قد قبلت «نقل العبء» داخل التحالف الغربي.


ومع ذلك، فإن عجزها عن استخدام الأصول الروسية الخاضعة لسيطرتها كأداة ضغط فعّالة يدلّ على أنها لا تثق بقوتها الذاتية، وبالتالي ليست جاهزة لبناء استقلالية استراتيجية. قد يكون التحوّل من هذا النوع طويلًا بطبيعته، لكنّ صعوبة أوروبا في تقديم مساهمة حاسمة في قضية تمسّ أمنها لسنوات قادمة أمرٌ لافت.


اختبار القيادة الغربية


في بداية محاولة روسيا غزو أوكرانيا، واجهت إدارة بايدن صعوبة في حشد الغرب حول استراتيجية مشتركة. أما إدارة ترامب، فصاغت استراتيجية تقوم على التفاوض المباشر بين واشنطن وموسكو، متجاهلةً أهمية العمل المشترك مع أوروبا. كما أن محاولة الإدارة تحميل أوروبا العبء عبر تعليق المساعدات المالية والعسكرية جعلت قضية أوكرانيا اختبارًا حاسمًا لاستراتيجية الغرب المشتركة.


ورغم قبول أوروبا بهذا العبء، إلا أنها تُظهر أنها غير قادرة على التخلي عن القيادة الأمريكية، ولا تمتلك الرؤية السياسية التي تتطلبها الاستقلالية الاستراتيجية. وإذا توصّلت واشنطن إلى اتفاق سلام مع موسكو ضمن إطار يقبل بخسارة كييف لبعض أراضيها، فلن تكون مساهمة أوروبا أكثر من مجرد دفع فاتورة المساعدات — دون تأثير حقيقي في النتائج. وهذا يعني أنه — على الرغم من الانقسامات والتناقضات داخل التحالف الغربي — لم تصل أوروبا بعد إلى القدرة التي تخوّلها طرح استراتيجية خاصة بها.

#الغرب
#أوكرانيا
#الولايات المتحدة
#الناتو