|
ما الذي يمكن أن يغيره بايدن؟

يقال أنّ "الانتخابات الأمريكية ليست مجرد انتخابات أمريكية". من الطبيعي أن تراقب دول العالم انتخابات دولة تعتبر قوة عظمى، حيث أن نتائج هذه الانتخابات تهم الجميع. لا يوجد مكان أو بلد لا تعنيه تلك الانتخابات بشكل أو بآخر، وبالتالي ليس هناك دولة لا تتوقع متغيرات ما عقب نتائج تلك الانتخابات.

على سبيل المثال؛ أن يقوم البنك المركزي الأمريكي برفع أو خفض أو حتى إبقاء أسعار الفائدة فإن ذلك سيؤثر على اقتصادات العالم بشكل مباشر. ولذلك لا يوجد جزء من هذا العالم يمكنه القول أن هذه الانتخابات لا تعنيني.

لكن في المقابل، هناك قاعدة راسخة مقادها أن الولايات المتحدة لا تُظهر متغيرات جذرية على صعيد الخيارات التي تقرّها السياسة الخارجية كمؤسسة. وبناء على ذلك، فإن نتائج الانتخابات لا يمكنها تغيير الكثير، أوعلى الأقل ينبغي عدم توقع ذلك منها.

ربما هذا صحيح في هذه النقطة. حيث للولايات المتحدة تاريخ انتخابي مع كل رئيس يدخل البيت الأبيض، لا سيما فيما يتعلق بسياساتها الخارجية حول إسرائيل والشرق الأوسط. لقد قدّم الرئيس الجمهوريّ ترامب لإسرائيل أكبر دعم في تاريخها، قدّم تنازلات لم يجرؤ أو يقترب منها أي رئيس أمريكي سابق، حيث اعترف بالقدس عاصمة لها، واعترف بالجولان المحتل كجزء منها، وأعطاها الضوء الأخضر لبناء مستوطنات جديدة، ومارس ضغوطًا مختلفة على العديد من الدول العربية لأجل التطبيع مع إسرائيل وتمكن من تحقيق ذلك.

وفي الوقت ذاته نجد أن ترامب لم يكن مكترثًا على الإطلاق بحالة الديمقراطية وحقوق الإنسان أو ملف جرائم الحرب لدى تلك البلدان التي بادرت إلى التطبيع مع إسرائيل. صحيح أن هناك ما يشبه سياسة خارجية أمريكية ذات استمرارية مؤسساتية فيما يتعلق بإسرائيل أو الشرق الاوسط، إلا أنه لم يسبق رئيس أمريكي واحد أن ارتكب هذه الخطوات التي تضرب بمشاعر العالم الإسلامي عرض الحائط.

لكن هذا لا يعني بالطبع أن نتوقع من بايدن المنتخب الديمقراطي، تغييرًا في هذا الصدد، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة المؤيدة والداعمة لإسرائيل، على الرغم من أنه لا يمتلك سياسة طائشة تجاه إسرائيل مثل ترامب. وربما يظهر بايدن بدور الشرطي الجيد باسم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولن يخلو ذلك أيضًا من إحداث تغييرات خطيرة كذلك الأمر.

ودعونا نذكر في هذا الصدد أنه ليس من الصواب أن نقطع بأن السياسة المؤسساتية لن تتأثر على الإطلاق بالرئيس المنتخب بغض النظر عن شخصه او القوة التي تتمتع بها المؤسساتية. حين النظر إلى الزلزال السياسية التي أحدثها ترامب، والتنبؤ بزازل أخرى يمكن أن تقع جرّاء ذلك، يبدو حينها من الواضح أن الرئاسة تتمتع بقدر جيد من التأثير.

باستطاعة رؤساء الولايات المتحدة تغيير الكثير متى أراود، سواء في النظام الداخلي أو السياسة الخارجية كذلك الأمر. إلا أن جلّهم يفضّل على الدوام الاستسلام للمؤسسية القائمة، حيث يجدون أنفسهم أكثر أمانًا مع ذلك، وخلال سيرهم على هذا المنوال يعززون دور تلك المؤسسية بشكل تلقائي مع مرور الوقت.

من المؤكد أن بايدن سيتبع مسارًا مغايرًا للمسار الذي تبعه ترامب في الشرق الأوسط، لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن نتوقع منه سياسات تجاه إسرائيل تعمل على ضدّ ما قدّمه ترامب لها. ليس لأنه لا يمتلك القدر من الشجاعة لفعل ذلك، بل لأنه لا يعيش في عالم مغاير عن عالم ترامب من حيث المشاعر والموقف والسياسة إزاء إسرائيل.

أما على صعيد علاقاته مع تركيا، فكما تعلمون التصريحات السيئة التي أدلى بها خلال لقاء مع نيويورك تايمز، أعطت مجرد فكرة تبقى نظرية على صعيد العلاقات مع تركيا. ولكن يجب علينا نحن تقييم هذه التصريحات من حيث إلى أي مدى هي من الجدية والأهمية.

لقد قلنا قبل الانتخابات، إن فكرة الإطاحة بالرئيس أردوغان سواء عبر الانقلابات أو المؤامرات الأخرى خارج الوسائل الديمقراطية، لا تعتبر فكرة أو طريقة لم تجربها الولايات المتحدة، سواء بوجود بايدن او بدونه. هناك العديد من المحاولات شهدتها تركيا على هذه الصدد، بدءًا من استدعاء رئيس جهاز الاستخبارات التركي في 7 فبراير 2012 لتقديم الإفادة، ومن ثمّ أحداث غيزي بارك، ومحاولة انقلاب 17-25 ديسمبر، وأحداث كوباني 6-8 أكتوبر، ومحاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو، ودعم تنظيمات بي كاكا الإرهابية في سوريا، والهجمات الاقتصادية التي لا تتوقف؛ جميع ذلك كان يركز على الإطاحة بالرئيس أردوغان من خلال وسائل غير ديمقراطية، وإن الولايات المتحدة كانت تلعب الدور الرئيسي في كل ذلك.

إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. لكن مع العلم لو حدث أي من تلك الأحداث في تركيا القديمة لكان كافيًا لإحداث تغيير كبير، إلا أن التأثير الأمريكي في تركيا بقيادة أردوغان ضئيل الحجم لدرجة كبيرة.

ولا شك أن يتكون من جميع تلك المحاولات نظرة ثاقبة لدى بايدن عن مدى التأثير الأمريكي في هذا الصدد.

نعم هناك تأثير تعكسه السياسة الأمريكية على تركيا، والقول بخلاف ذلك يعتبر مجانبة للصواب، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك بات واضحًا ومعلومًا مدى التأثير الموجود، ولذلك لا خيار آخر سوى تقييم العلاقات الثنائية وفق مبدأ المصالح المتبادلة.

وفي هذا الصدد لا يملك بايدن سوى أن يدرك هذا بشكل جيد، وأن يعلم أن الحل الوحيد يكمن في وجود علاقات جيدة مع البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتمتع بديمقراطية حقيقية، وأن هذا أيضًا يصب في مصلحة الولايات المتحدة.


#ترامب
#بايدن
#الولايات المتحدة
٪d سنوات قبل
ما الذي يمكن أن يغيره بايدن؟
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية